خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : الحج رحلة إيمانية
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 ذو القعدة شوال 1444 هـ ، الموافق 9 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الحج رحلة إيمانية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية : كما يلي:
أولًا: فضلُ الحجِّ ومكانتُهُ في الإسلامِ.
ثانيًا: أعمالٌ تعدلُ أجرَ الحجِّ في الجزاءِ.
ثالثًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ وروحيةٌ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية : كما يلي:
خطبة بعنوان: الحجُ رحلةٌ إيمانية بتاريخ: 20 ذو القعدة 1444هـ – 9 يونيو 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة
أولًا: فضلُ الحجِّ ومكانتُهُ في الإسلامِ.
إنَّ الحجَّ مِن أفضلِ العباداتِ على الإطلاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ ورسولِه. قِيلَ: ثم ماذا ؟ قال جهادٌ في سبيلِ اللهِ. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرورٌ.” (متفق عليه). ويكفي الحجُّ فضلًا أنَّ الحاجَّ يولدُ مِن جديدٍ، فكما أنَّ المولودَ يولدُ على الفطرةِ لم يرتكبْ ذنبًا أو خطيئةً، فكذلك الحاج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ ﷺ:” مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ “(متفق عليه). فالذي أكرمَهُ اللهُ بحجِّ بيتِه الحرامِ قد جمعَ بينَ ثوابَيِ الدنيا والآخرةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ” (متفق عليه). وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ” ( ابن ماجة والنسائي والترمذي وحسنه)، فقد جمعَ بينَ ثوابِ الدنيا مِن الغنَى ونفيِ الفقرِ والذنوبِ، وبينَ ثوابِ الآخرةِ وهو الجنةُ، وهل هناكَ أعظمُ مِن ذلك في الدنيا والآخرةِ؟.
فالحجُّ بذلك يهدمُ ما كان قبلَهُ مِن المعاصي والذنوبِ، فَعَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي أتيْتُ النَّبيَّ ﷺ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَكَ لأبايعَكَ، فبسطَ يدَهُ فقبضْتُ يدي. فقال: مالكَ يا عَمرُو؟ ! . قال: أردتُ أنْ أشترطَ. قال: تشترطُ ماذا ؟ قال: أن يُغفَرَ لي. قال : أمَا علمتَ يا عَمرو ! أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبلَهُ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَهَا ، وأنَّ الحجّ يهدِمُ ما كانَ قبلَهُ؟.( مسلم)
وقد عدَّ الرسولُ ﷺ الحجَّ لونًا مِن ألوانِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ” (البخاري).
لذلك كانت عائشةُ رضي اللهُ عنها لا تتركهُ منذُ أنْ علمتْ أنّه جهادٌ، فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ:” لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ” فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ” (البخاري).
أيُّها الأحبابُ: إنَّ للحجِّ فضائلَ كثيرةً، وأنَّ مَن لم يحجْ بيتَ اللهِ الحرامَ مع القدرةِ عليه فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنَّ الرَّسولَ ﷺ قال: ” قال اللهُ: إنَّ عبدًا صحَّحْتُ له جسمَه ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ يمضي عليه خمسةُ أعوامٍ لا يفِدُ إليَّ لَمحرومٌ “. (البيهقي وابن حبان بسند صحيح).
هذه بعضُ الأحاديثِ التي وردتْ في فضلِ الحجِّ عامةً، وهناك أحاديثٌ أخرى كثيرةٌ في فضلِ مناسكِ الحجِّ وأعمالهِ لا حصرَ لهَا، كالأحاديثِ في فضلِ التلبيةِ والطوافِ والذبحِ والرميِ ويومِ عرفةَ والأضحيةِ وغيرِهَا، ولكلِّ هذه الفضائلِ جُعِلَ الحجُّ مِن أفضلِ العباداتِ، يقولُ الإمامُ أبو حنيفةَ – رحمه اللهُ-: جعلتُ أفاضلُ بينَ العباداتِ، كلما تتبعتُ عبادةً وجدتُ لها أفضلية، فأقولُ: هي الأفضلُ، فلما تتبعتُ الحجَّ وجدتُهُ أفضلَهُم لاشتمالهِ على جميعِ العباداتِ كلِّهَا. أ. ه.
وسببُ ذلك أنَّك حينما تتكلمُ عن فضلِ الصلاةِ تتكلمُ عنها منفردةً، وكذلك الصيام، والزكاة، أمَّا الحجُّ فهو موسمٌ تجتمعُ فيه العباداتُ كلُّهَا، وبذلك اجتمعتْ فيه فضائلُ العباداتِ كلِّهَا؛ وهذا لا يتأتّى في عبادةٍ غيرِ الحجِّ.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري:” والذي يظهرُ أنَّ السببَ في امتيازِ عشرِ ذي الحجةِ؛ لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادةِ فيها وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُّ ولا يتأتَّى ذلك في غيرِهَا.”
وهذه الفضائلُ والهباتُ والعطايا والمنحُ العظيمةُ تجعلُ الإنسانَ دائمَ الشوقِ إلى الحجِّ:
إليكَ إلهِي قد أتيتُ ملبيًّا *** فباركْ إلهِي حجتِي ودعائيَا
قصدتُكَ مضطرًا وجئتُكَ باكيًا *** وحاشاكَ ربِّي أنْ تردَ بكائيَا
كفانِي فخرًا أننِّي لكَ عابدٌ *** فيَا فرحتِي إنْ صرتُ عبدًا مواليَا
أتيتُ بلا زادٍ وجودُكَ مطمعِي *** وما خابَ مَن يهفُو لجودِكَ ساعيَا
إليكَ إلهِي قد حضرتُ مُؤمّلًا *** خلاصَ فؤادِي مِن ذنوبِي ملبيًا
أحبتِي في اللهِ: أرَى قلوبَكُم وأفئدتَكُم تحركتْ شوقًا وحنينًا تجاهَ البلدِ الحرام، ولكنكُم لا تستطيعون.
إنّنِي في هذا المكانِ ومِن فوقِ هذا المنبرِ، وفي هذه الساعةِ، أبشركُم بأعمالٍ تعدلُ أجرَ الحجِّ في الثوابِ، إذا فعلتَ منها عملًا واحدًا فقد حججتَ بيتَ اللهِ الحرام، وهذا ما سنعرفُهُ في عنصرِنَا الثانِي إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة
ثانيًا: أعمالٌ تعدلُ أجرَ الحجِّ في الجزاءِ
إنّ كثيرًا مِن المسلمين يشتاقون إلى أداءِ شعيرةِ الحجِّ، وتهوَي أفئدتُهُم إلى زيارةِ المسجدِ الحرامِ، أقولُ لكلِّ المشتاقين: اعلمُوا أنّ مِن رحمةِ اللهِ – تباركَ وتعالي – بعبادهِ أنْ جعلَ مَن حالتْ دونهُ السبلُ عن الحجِّ لعذرٍ شريكًا لِمَن ذهبَ في الأجرِ، بل شرعَ اللهُ لنَا أعمالًا تعدلُ أجرَ الحجِّ والعمرةِ، لكن لا تغنيهِ هذه الأعمالُ عن حجِّ الفريضةِ إذا بلغَ حدَّ الاستطاعةِ، وهذه الأعمالُ لا تكلفُكَ تأشيرةً ولا مالًا ولا سفرًا، وقد جمعتُهَا لكُم مدعمةً بالأدلةِ الصحيحةِ الصريحةِ مِن القرآنِ والسنةِ، ومِن أهمِّ هذه الأعمالِ:-
المكثُ في المسجدِ بعدَ صلاةِ الفجرِ حتى الشروقِ ثُم صلاةُ ركعتينِ:
فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنّ النبيَّ ﷺ قال: ” مَن صلَّى الغداةَ في جماعةِ، ثم قعدَ يذكرُ اللهَ حتى تطلعَ الشمسُ، ثمّ صلّى ركعتينِ كانتْ لهُ كأجرِ حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ”. ( الترمذي بسند صحيح ).
ومنها: حضورُ صلاةِ الجماعةِ والمشيُ إلى صلاةِ التطوعِ: فقد أخرجَ الإمامُ أحمدُ بسندٍ حسنٍ عن أبي أمامةَ رضي اللهُ عنه أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “مَن مشيَ إلى صلاةٍ مكتوبةٍ في الجماعةِ فهي كحجةٍ، ومَن مشيَ إلى صـلاةِ تطوعٍ فهي كعمرةٍ نافلةٍ. وفي روايةٍ: ومَن مشيَ إلى سبحةِ الضحى كان له كأجرِ المعتمرِ “ـ
ومنها: حضورُ مجالسِ العلمِ في المساجدِ:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ”. (الطبراني بسند صحيح)؛ فضلًا عن نزولِ السكينةِ والرحمةِ والمغفرةِ عليهم، فقد أخرجَ مسلمٌ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: ” ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ مِن بيوتِ اللهِ يتلونَ كتابَ اللهِ ويتدارسونَهُ بينهُم إلّا نزل عليهم السكينةُ، وغشيتهُم الرحمةُ، وحفتهُم الملائكةُ، وذكرَهُم اللهُ فيمَن عندَهُ” .
ومنها: الأذكارُ بعدَ الصلاةِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً» قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»” .(مسلم).
ومنها: عمرةٌ في رمضـانَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا؟» قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لِأَبِي فُلَانٍ – زَوْجِهَا – حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَكَانَ الْآخَرُ يَسْقِي عَلَيْهِ غُلَامُنَا، قَالَ: «فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» (مسلم). والناضحُ: الجمل .
ومنها: بـرُّ الوالـديـن: روي أنّ رجلًا جاء إلى النبيِّ ﷺ فقالَ: إنّي أشتهِي الجهادَ ولا أقدرُ عليهِ، قال: هل بقيَ مِن والديك أحدٌ؟ قال: أمي، قال: قابلَ اللهَ في بِرِّهَا، فإنْ فعلتَ فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهدٌ. (أبو يعلي).
وبعدُ: فهذه بعضُ الأعمالِ التي تعدلُ أجرَ الحجِّ، فالزمُوهَا حتى تنالُوا ثوابَ الحجِّ بصدقِ نياتِكُم .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة
ثالثًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ وروحيةٌ.
إنَّ رحلةَ الحجِّ الإيمانيةَ تبدأُ مِن تجردِ الحاجِّ مِن جميعِ ملابسهِ وزخارفِ الدنيا، فهي صورةٌ مصغرةٌ مِن أرضِ المحشرِ، بهذا الإحرامِ يدخلُ المؤمنُ في محيطِ الرُّوحِ، وفي متسعِ الضيافةِ، ولذلك وجبَ عليهِ أنْ يعلنَ أنّه قد دخلَ في هذا الوادي المقدسِ، وادِي الرُّوحِ، وادِي الضيافةِ الإلهيةِ، ولذلك يقولُ: “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ”.(سنن ابن ماجة). بهذا النداءِ الذي هو إعلانُ الحجِّ، أو مظهرُ الروحانيةِ فيه، يكون الشخصُ قد دخلَ في مقامِ الضيافةِ، وانتقلَ مِن دركاتِ الأرضِ إلى المنازلِ الرُّوحيةِ، وكأنّهُ بحجّهِ قد أجابَ داعيَ اللهِ تعالى إذْ دعاهُ إلى تلك المائدةِ المقدسةِ، وإنّه ليكررَ تلك التلبيةَ في كلِّ مرتفعٍ وكلَّ منخفضٍ؛ ليكونَ في تذاكرٍ دائمٍ، ولكيلَا ينسَى أنّه في الحضرةِ الإلهيةِ، وفي الضيافةِ الرحمانيةِ.
الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ وروحيةٌ لأنَّ المسلمَ إذ يحلُّ في تلك الضيافةِ الرُّوحيةِ يجبُ أنْ يتركَ مظاهرَ الزينةِ وما اختصتْ به الحياةُ الأرضيةُ، فلا يتطيبُ ولا يتزينُ ولا يقصُّ شعرَهُ ولا يحلقُهُ، وذلك لأنّه في حالِ تجردٍ رُوحيٍّ، فلا يصحُّ أنْ يُشغَلَ عنهُ بمظاهرَ ماديةٍ؛ ولأنَّ حياةَ الرُّوحِ توجبُ المساواةَ، إذ الجميعُ سواءٌ أمامَ عظمةِ الخالقِ، ولا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لقويٍّ على ضعيفٍ، ولا لغنيٍّ على فقيرٍ.
فضلًا عن التشريفِ والتعظيمِ والتكريمِ والمهابةِ للبيتِ وزائرهِ على السواء، فقد كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً؛ وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا». (أخبار مكة للأزرقي).
إنَّ أعمالَ الحجِّ كلَّهَا مِن الإحرامِ حتى الوداعِ زادٌ روحيٌّ وإيمانيٌّ عظيمٌ وكبيرٌ، يجسدهُ ويصورهُ لنَا الرسولُ ﷺ في قولِهِ:” أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ تَطَأُهَا رَاحِلَتُكَ يَكْتُبُ اللهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً، وَيَمْحُو عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً، وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: «هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَيَخَافُونَ عَذَابِي، وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ، أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ ذُنُوبًا غَسَلَهَا اللهُ عَنْكَ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَإِنَّهُ مَذْخُورٌ لَكَ، وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ حَسَنَةٌ فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» (الطبراني). لأنّ هذه الذنوبَ سقطتْ وتناثرتْ وتبخرتْ هناك، وهذا هو السببُ في سوادِ الحجرِ الأسودِ الذي كان أبيضًا فسودتهُ خطايَا الناسِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَانَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ»(الطبراني).
فيالهَا مِن رحلةٍ إيمانيةٍ روحيةٍ، فهنيئًا لحجاجِ بيتِ اللهِ الحرام؛ وحجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا وإياكُم حجَّ بيتهِ الحرام، وأنْ يحفظَ مصرنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف